/ الفَائِدَةُ : (11) /

05/06/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / لا مزايدة على عدد أُصُول الدِّينِ / يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه لا خلاف بين مذاهب المسلمين في عدد أُصُول الدِّينِ بحسب ظاهر الإِسلام ، وهي أَربعة : الإِقْرَارُ بالشهادتين ، والإِقْرَارُ بالمعاد ، وعدم إِنكار ضروري من ضروريات الإِسلام . وينجم عن أُصُول الدِّينِ : تحديد مسارات العقيدة ، وحقوق المسلمين فيما بينهم ، وغير ذلك الكثير. لكن : زايدت على هذه القضيَّة بعض السلفيَّة والوهابيَّة وحدَّدوها بما يزعمون ، والحال أَنَّه لم يجرأ أَحد على تغيير هذه الدائرة والخريطة ، بل ليس لأَحدٍ الوصاية والصَّلاحيَّة لتغيير هذه الدائرة والخريطة ؛ فإِنَّها موروثة عن سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وقد اِتَّفَقْت عليها كلمة المسلمين . وللتفصيل أكثر نقول : إِنَّ هناك قضايا أَربعاً وقعت محلاً للْاِتِّفَاق بين المسلمين : الأُولى : أَنَّه وقع الْاِتِّفَاق على التَّفكيك بين أُصول العقيدة بحسب (واقع الإِيمان) ، وأُصول العقيدة بحسب (ظاهر الإِسلام) . الثانية : أَنَّه وقع الْاِتِّفَاق أَيْضاً على عدد أُصول (ظاهر الإِسلام) ، وهي أربعة : الإِقْرَارُ بالشهادتين ، والإِقْرَارُ بالمعاد ، وعدم إِنكار ضروري من ضروريات الإِسلام . ووقع الْاِتِّفَاق أَيْضاً على أَنَّ أُصول الدِّين بمعنى : ( واقع الإِيمان ) هي : أُصول ظاهر الإسلام وزيادة(1). وهذه من أَبجديَّات علم كلام المذاهب الإسلاميَّة . وعليه : يكون منكرها منكر لضروريِّ من ضروريَّات المسلمين . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الامام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن سفيان بن السمط ، قال : « سَأَلَ رجل أَبا عبد الله عليه السلام عن الإسلام والإِيمان ؛ ما الفرق بينهما ؟ ... فقال : الإِسلام : هو الظَّاهر الَّذي عليه النَّاس : شهادة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله ، وأَنَّ مُحمَّداً رسول الله ، وإِقام الصَّلاة ، وإِيتاء الزَّكاة ، وحجُّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام . وقال : الإِيمان معرفة هذا الأَمر مع هذا ؛ فإنْ أَقَرَّ بها ؛ ولَمْ يعرف هذا الأَمر كان مسلماً ، وكان ضَالّا ً»(2). هذا ، ولكن : كثيراً مِمَّنْ يُدير طاولات الحوار في القنوات الفضائيَّة ، بل وأَصحاب التقريب بين المذاهب(3)، بل وجملة من أَصحاب المدارس الكلاميَّة منهم من الخاصَّة ـ نتيجة الجهل بهذه البحوث ـ أَنكروا التعدُّد والمغايرة ، بل ذهب آخر إِلى تباينهما ؛ والحال أَنَّ للدِّين مراتب ، ولكلِّ مرتبةٍ أَحكامها الخاصَّة ، فهناك أَحكام فقهيَّة وغيرها لظاهر الإِسلام ، وهناك أَحكام أُخرى فقهيَّة وغيرها لواقع الإِيمان . الثالثة : أَنَّه وقع الْاِتِّفَاق أَيْضاً على أَنَّ الآثار الدُّنيويَّة منوطة بأُصول ظاهر الإِسلام ، وأَمَّا الآثار والنجاة الأُخرويَّة فمنوطة بأُصول الإِيمان . الرابعة : أَنَّه لا بُدَّ من بناء أُصول الإيمان على الحقيقة اليقينيَّة المُسْتَنِدَة على الأَدلَّة القطعيَّة اليقينيَّة ، فإِنَّها وإِن لم تترتَّب عليها الآثار الدُّنيويَّة ، لكنَّها المدار للنَّجاة الأُخرويَّة الأَبَدِيَّة. وهذه قضيَّة وقع عليها الْاِتِّفَاق أَيْضاً ؛ وأَنَّ الأَحكام والآثار الدُّنيويَّة منوطة بأُصول ظاهر الإِسلام ، والأَحكام والآثار الأُخرويَّة منوطة بأُصول الإيمان. وعليه: فلا يمكن بناء أُسس أُصول الإِيمان ـ بعد ما كان عليها مدار النَّجاة الأُخرويَّة ـ على الأَدلَّة الظَّنيَّة ؛ لكونها في معرض الخطأ والاشتباه . نعم ، وقع الخلاف في مُؤدَّى الأَدلَّة اليقينيَّة ؛ وأَنَّها أَيَّ أُسس إِيمانيَّة تنتج ؟ لكنَّه بَحْثٌ آخر. وعليه : فيجب على مَنْ يبغي الاِتِّصاف بالإِيمان بأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : أَنْ يعتمد في ذلك على الأَدلَّة اليقينيَّة ، ويقطع ويُسلِّم بها ، ويعتنقها ، وإِلَّا فليس بمؤمنٍ ، بل مرتاب . وهذا بخلاف (ظاهر الإسلام) ، فيمكن بناء أُسسه وأًصوله على الأَدلَّة الظَّنيَّة ؛ فالتفت . وبالجملة : هناك فارقٌ بين آثار الحُجِّيَّة الباطنة ، وآثار الحُجِّيَّة الظاهرة . وَسَبَّبَ خلط أَصحاب التقريب وغيرهم بين المطلبين : اِرتطامهم بغفلة علميَّة ومنهجيَّة شنيعة وخطيرة جِدّاً ، حاصلها : (أَنَّ الاِخْتِلَاف يساوق دائرة الإجتهاد الظَّنيّ) ؛ فمعنى الاِخْتِلَاف في شيءٍ هو ظنيَّة الأَدلَّة المُقامة عليه ؛ وإِلَّا فَلِمَ هذا الاِخْتِلَاف ، وحيث إِنَّه وقع الاِخْتِلَاف بين المذاهب الإِسلاميَّة في أُصول واقع الإِسلام كظاهره كانت الأَدلَّة المقامة عليهما ظنيَّة ، وبحوثهما اِجْتِهَاديَّة. ويردُّها : منع الملازمة ؛ فإنَّ هناك جملة قضايا بديهيَّة ، ثبتت بالأَدلَّة القطعيَّة اليقينيَّة ، لكنَّه وقع فيها الاِخْتِلَاف . مثالها : 1ـ أَصل وجود الباريّ سبحانه وتعالى ، فقد أَنكره الملحدون . 2ـ نبوَّة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، بل وثوابت المسلمين ؛ فقد أَنكرها غيرهم . 3ـ خلقة النَّبيّ عيسى عليه السلام كسائر البشر ؛ فقد أَنكرها النصارىٰ . 4ـ نبوَّته عليه السلام ؛ فقد أَنكرها اليهود . 5ـ نبوَّة أَنبياء أُوْلِي العزم عليهم السلام ؛ فقد أَنكرها المُوحِّدون من غير هذه الديانات . إِذَنْ : صِرف الاِخْتِلَاف لا يجعل الأَدلَّة المقامة أَدلَّة ظنيَّة ، ولا ينفي وجود الدَّليل القطعي اليقيني المقام على ما أُختلف فيه . وعصارة القول : أَنَّه وقع الْاِتِّفَاق أَيْضاً على أَنَّ أُصول الإِيمان مستندة ومبتنية على اليقينيات ، نعم وقع الْاِخْتِلَاَف في مفردات أُصول الإِيمان وواقع الديانية الَّتي يترتَّب عليها النجاة في الآخرة ، وصار كُلِّ مذهبٍ يرسم لنفسه منظومة بحسب زعمه ومقولته وأدلَّته ، لكنَّهم يعزون هذا الْاِخْتِلَاَف إلى كونه اِجْتِهَاد ظني. وباتِّضاح هذا يتَّضح : أَنَّ دعوى : كلُّ اِخْتِلَاَفٍ مذهبي يساوي الْاِجْتِهَاد الظني دعوى على عكس المطلوب أَدل. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ تقرير الأُصول الإِعتقاديَّة بالخمسة المعهود ـ التَّوحيد ، والعدل ، والنُّبوَّة ، والإِمامة ، والمعاد ـ ليس هو إِلَّا مُجرَّد تنظيم تبويبي فنِّي وتدريبي وتعليمي محض ، وإِلَّا فعند القدماء لا تنحصر ـ أُصول الإِعتقاد ـ بذلك، بل هي أَكثر بكثير. (2) بحار الأَنوار، 68: 246/ح6. الكافي، 2: 24. (3) التقريب بين المسلمين ومذاهبهم وإِن كان أَمراً محموداً، بل وعظيماً، لكن يَنْبَغِي أَنْ يُبنى على أُسس منهجيَّة وعلميَّة مُتَّفق عليها بين المسلمين